موقع بلدة ابطع
انتقل المنتدى الموقع اخر للذهاب الى الموقع اضغط على الوصلة بلاسفل
www.ebtaa.net
موقع بلدة ابطع
انتقل المنتدى الموقع اخر للذهاب الى الموقع اضغط على الوصلة بلاسفل
www.ebtaa.net
موقع بلدة ابطع
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

موقع بلدة ابطع

انتقل المنتدى الموقع اخر للذهاب الى الموقع اضغط على الوصلة بلاسفل www.ebtaa.net
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 شخصية الحبيب المصطفى عليه أفظل الصلاة واتم التسليم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
محمد R نصيرات
مشرف منتدى الشعر والطرائف
مشرف منتدى الشعر والطرائف
محمد R نصيرات


عدد المساهمات : 1155
تاريخ التسجيل : 12/01/2010
الموقع : الكويت / الفروانية

شخصية الحبيب المصطفى عليه أفظل الصلاة واتم التسليم Empty
مُساهمةموضوع: شخصية الحبيب المصطفى عليه أفظل الصلاة واتم التسليم   شخصية الحبيب المصطفى عليه أفظل الصلاة واتم التسليم I_icon_minitimeالثلاثاء يناير 12, 2010 7:27 am

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على خير خلق الله أجمعين, وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: فإن كل من تأمل شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بتجرد وإنصاف يدرك حقيقة, هي أنه صلى الله عليه وسلم أكبر شخصية عرفه التاريخ.
ولعلك أول ما تقرأ هذا الكلام أو تسمعه ستقول: هذا مجرد دعوى, وليس عليها أي دليل مقنع؛ بل فاعل ذلك هو فلان أو فلان؛ ممن تعرفهم أو تأثرت بهم, لكن اسمح لي أن أطرح عليك سؤالا واحدا, وحسن ظني بك أنك عاقل ومنطقي, وأنك مؤهل لخوض أية مناقشة علمية جادة, إذن فلا تغمض عينيك لتكتفي بما عندك ولا تسمع ما عند الآخر, بل من دلائل رجاحة عقلك أن تستمع إلى الآخر وإن خالفك في الرأي, فإن كان الحق فيما يقوله استفدته منه وهو ربح, وإن كان فيما كنت تعتقد ازددت عليه يقينا وهو ربح, ولكن كن متجردا تريد الحق حقا.

والسؤال الذي أطرحه عليك وآمل منك الجواب عنه بإنصاف هو: بما أنك منطقي ومنصف مع الناس, هل نفيك لما قلته مبني على علم صحيح عن محمد وتاريخه, أو هو مبني على قيل وقالوا ؟
أو على تصوير مشوه له ولتاريخه ؟
أو هو مبني على ما تراه وتسمعه يوميا من أحداث وتهم تلصق بالإسلام والمسلمين؛ حتى أوجد ذلك منك ردة فعل, ولذلك لا يمكنك قبول ما قلت ؟
أو أنك – بكل صراحة – من العصبيين الذين ينظرون إلى العرب نظر دون, ويرون أنهم أحقر من أن يكون منهم ذاك الرجل ؟
وأنا – إن شاء الله - سأبين لك رجاحة ما قلته في حديثي معك, إن منحتني فرصة لبيان ذلك, بأن تنظر معي في شخصيته صلى الله عليه وسلم من خلال خمسة جوانب مهمة جدا في التحقق من صدق ما قلته:
الجانب الأول: ما الوقت الذي بعث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ؟
الجانب الثاني: أي قوم عايشهم, وعلى أي مستوى كانوا من الحضارة.
الجانب الثالث: ما حال بقية العالم آنذاك, وهل كان ثم ما يغني عن نظام جديد أو لا ؟
الجانب الرابع: مقارنة الوضع قبل, بالوضع بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم؛ للتحقق من هل حدث بالفعل تغير وانقلاب - سلبا أو إيجابا- في سير العالم أم لا ؟


الجانب الخامس: مقارنة الوسائل التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم لتغيير ذاك النظام السائد في ذلك الوقت؛ لمعرفة هل الحكمة كانت تقتضي استعمالها – بعجالتها – لإحداث التغيير الذي كان لا بد منه ؟
أم تقتضي إبقاء المجتمع على الوضع المتفكك الذي كان عليه ؟

هذه التساؤلات الخمسة, يمهد لنا الجواب عنها الطريق إلى تصور مدى التجديد والإصلاح اللذين حدثا في سيران العالم بمجيء هذا الرجل العظيم, وهل كان العالم في حاجة إليهما أم لا ؟
وأنه أكبر شخصية عرفه التاريخ البشري.

الجانب الأول: هل الوقت الذي بعث فيه الرسول صلى الله عليه وسلم كان مناسبا للانقلاب والإصلاح اللذين أوجدهما في العالم ؟

إن الوقت الذي بعث فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان فترة من الوحي السماوي, وكان الناس قد سلطوا عقولهم وأيديهم على البقية الموروثة من تعاليم الرسل بالتغيير والتبديل؛ حتى اندثرت تلك التعاليم بالكلية من بعض المجتمعات, وبالأغلبية من البعض الآخر.
ودعوات الرسل التي ظهرت قبل, لم تشمل الشعوب جمعاء, فلم تتصف أي واحدة منها بالعالمية والشمولية التي لا تخص شعبا دون شعب, بل كانت كلها منحصرة في ساحة قوم دون غيرهم.
الأمر الذي أوجد فراغا روحيا في العالم لم يكن من تغطيته بد, وواقع الحال في ذلك الوقت شاهد بأن الأديان والأنظمة السائدة آنذاك لم يكن لها أن تصد ذاك الفراغ الموجود, وأن صده يتطلب دينا قويا مع نظام جديد؛ ليوجه سير العالم نوح الأكمل والأفضل.
فاليهودية التي كانت موجودة في الوقت, لم تصلح لصد هذا الفراغ؛ لأنها دين لا تعبه بضلال غير اليهود أو رشادهم, بل إن اليهود جعلوا منها رمزا للعنصرية والفوقية على سواهم, ويستغلون الجهل المطبق على العالم؛ لفرض تسلطهم على الناس واستعبادهم, وهذا ما زال ولا يزال هو دأبهم.
ودين الأمة الغضبية الذين انسلخوا من رضوان الله كانسلاخ الحية من قشرها، وباؤا بالغضب والخزي والهوان، وفارقوا أحكام التوراة ونبذوها وراء ظهورهم واشتروا بها القليل من الأثمان، فترحل عنهم التوفيق وقارنهم الخذلان واستبدلوا بولاية الله وملائكته ورسله وأوليائه ولاية الشيطان. (1)
فكيف يصد فراغا, أو يهدي ضلالا ؟
واليهود لم يكن لهم قوى منبثقة من دينهم تكنهم من سياسة الأرض بنظام عادل, وكل ما عندهم إنما هو امتصاص واستغلال قوة غيرهم, بالتملق والتطفل على الإمبراطورات المسيطرة على الناس, واستمالتها حتى تكون في صالح اليهود.

وأما النصرانية, فعلى الرغم من كونها دينا لبعض العرب في ذلك الوقت؛ إلا أنها لم تتصف بالشمولية والعالمية اتصافا ذاتيا, بل شموليتها – إن كانت – شيء أحدث فيها بعد موت عيسى عليه السلام, فإنه كان يخاطب برسالته قومه بني إسرائيل لا غيرهم.
وكذلك الحواريون بعده, لم يخرجوا بدعوته إلى الشعوب الأخرى؛ بل ظلت بينهم حينا من الدهر؛ إلى أن انضم إليهم رجل يدعى "بولس" فهو الذي أخرج النصرانية خارج بني إسرائيل, ولام الحواريين على إخفاءها فيما بينهم؛ جاهلا أو متجاهلا أنها دين جاء لشعب لا العالم.

ودين أسس بنيانه على عبادة الصلبان والصور المدهونة في السقوف والحيطان، وأن رب العالمين نزل عن كرسي عظمته فالتحم ببطن أنثى وأقام هناك مدة من الزمان، بين دم الطمث في ظلمات الأحشاء تحت ملتقى الأعكان، ثم خرج صبياً رضيعًا يشب شيئاً فشيئاً ويبكي ويأكل ويشرب ويبول وينام ويتقلب مع الصبيان، ثم أودع في المكتب بين صبيان اليهود يتعلم ما ينبغي للإنسان هذا وقد قطعت منه القلفة حين الختان، ثم جعل اليهود يطردونه ويشردونه من مكان إلى مكان، ثم قبضوا عليه وأحلوه أصناف الذل والهوان، فعقدوا على رأسه من الشوك تاجاً من أقبح التيجان، وأركبوه قصبة ليس لها لجام ولا عنان، ثم ساقوه إلى خشبة الصلب مصفوعاً مبصوقاً على وجهه وهم خلفه وأمامه وعن شمائله وعن الأيمان.
ثم أركبوه ذلك المركب الذي تقشعر منه القلوب مع الأبدان، ثم شدت بالحبال يداه ومع الرجلين، ثم خالطهما تلك المسامي التي تكسر العظام وتمزق اللحمان, وهو يستغيث: يا قوم ارحموني! فلا يرحمه منه إنسان, هذا وهو مدير العالم العلوي والسفلي الذي يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن ثم مات ودفن في التراب تحت صم الجنادل والصوان ، ثم قام من القبر وصعد إلى عرشه وملكه بعد أن كان. ما كان.(1)

ودين وصل إلى هذه الحقارة في أمر ربه وإلهه, فكيف يقدر على المنع من ضلال الناس ؟

وأما بقية العالم فكانت قفرا؛ يملأه المجوس و الصابئة و المشركون بضروب من الضلالات والحماقات. بلغ بهم الانحطاط إلى عبادة كل مخلوق؛ بحثا عن الإله الخالق, والذي يتشوفون إلى عبادته؛ إلا أن الطريق مجهولة عندهم, فكانون بحاجة إلى من يهديهم إليها.
لأن الإنسان بفطرته مجبول على أن يكون عبدا؛ لكن لخالقه, وإلا استعبده أرذل مخلوق؛ كالشيطان, أو الهوى, أو غيرهما من المخلوقات.
وفي هذا الوقت حدث صراع بين أناس من النصارى وآخرين وثنيين؛ حتى وصل الأمر ببعض النصارى إلى محاولة الاعتداء على الكعبة المشرفة, فأدبهم الله وصان بيته؛ لا نصرا للوثنية على النصرانية, ولكن نصرا لدين آخر لم يظهر بعد؛ إلا أن هذا البيت رمز له, وعلامة تدل عليه.
فكان في هذه الحادثة إيذان بحدوث انقلاب قريب في سيران الأمور.
فكان مولد النبي الذي سيتم الانقلاب المأذون على يديه في السنة التي عقبت هذه الواقعة, وفي قرية البيت نفسها, فكانت كالتوطأة لظهوره.
ومن سنن الله أنه إذا أراد شيئا هيأ أسبابه, وكل الأسباب المقتضية لظهور من يشمل الناس بدعوة إلى إصلاح الخلل, وتوحيد الشمل, كانت مجتمعة في ذلك الوقت.
هذا فيما تعلق بضرورية بعثته, وهناك شيء آخر يحسن الإيماء إليه, وهو كونه صلى الله عليه وسلم عاش في ذلك الوقت المظلم, وأولئك القوم البُهْم, بالإضافة إلى أنه أمي؛ لا يقرأ ولا يكتب, ولا سبق له اتصال لا باليهودية ولا بالنصرانية, ثم جاء بتعاليم وتشريعات يعجز العقل البشري أن يأتي بمثلها على مر الأيام. لهو برهان باهر على أنه النبي الذي آن خروجه في ذلك الحين.
وقول القائل: إن هذه التعاليم والشرائع من منتجات عقليات ذلك الوقت؛ مع أنه كلما تطورت العقول, كلما تأكدت من قصورها عن الإتيان بمثلها, فهذا القول أقبح شتم للعقلية البشرية.
وهو قول لا يقبله عاقل من قائله إلا بدليل, وليس ثمة دليل أبين وألزم من أن يثبت قائله قدرته على الإتيان بمثلها, أو بما هو خير منها؛ لأنهم يقولون إن العقل تطور منذ ذلك الحين إلى أيامنا:﴿ قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ﴾
والدعاوى إذا لم يقيموا عليها بيناتٍ أصحابها أدعياء
وسيتبين لك هذه الحقيقة أكثر فيما يأتي – إن شاء الله –.



الجانب الثاني: القوم الذين بعث فيهم النبي الكريم عليه الصلاة والسلام

إن القوم الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يعيشون في جاهلية عمياء, وذلك في جميع أمورهم؛ سواء منها ما تعلق بأمر الإله المعبود, أو بحياتهم العادية.
وكانوا قبل ذلك يدينون بدين إبراهيم عليه السلام؛ منذ أن نشأت ذريته في مكة وانتشرت في جزيرة العرب، فكانوا يعبدون الله ويوحدونه ويلتزمون بشعائر دينه الحنيف، حتى طال عليهم الأمد ونسوا حظًا مما ذكروا به، إلا أنهم بقي فيهم التوحيد وعدة شعائر من هذا الدين، حتى جاء عمرو بن لُحَيٍّ رئيس خزاعة، وكان قد نشأ على أمر عظيم من المعروف والصدقة والحرص على أمور الدين، فأحبه الناس ودانوا له، ظنًا منهم أنه من أكابر العلماء وأفاضل الأوليـاء‏.‏
ثم إنه سافر إلى الشام، فرآهم يعبدون الأوثان، فاستحسن ذلك وظنه حقًا؛ لأن الشام محل الرسل والكتب، فقدم معه بهُبَل وجعله في جوف الكعبة، ودعا أهل مكة إلى الشرك بالله فأجابوه، ثم لم يلبث أهل الحجاز أن تبعوا أهل مكة؛ لأنهم ولاة البيت وأهل الحرم‏.‏
وكان هبل من العقيق الأحمر على صورة إنسان، مكسور اليد اليمنى، أدركته قريش كذلك، فجعلوا له يدًا من ذهب، وكان أول صنم للمشركين وأعظمه وأقدسه عندهم‏.(1)‏
وصبغوا بهذه الوثنية البقية الباقية لديهم من آثار الحنفية؛ كشعائر الحج وغيرها.
ولا شك أن عقيدة القوم هي الموجه الأول لزمام أمرهم, فالانحراف في العقيدة يستدعي الانحراف في العبادة والسلوك والشعائر, وفي سائر قطاع الحياة.
والإنسان الذي وصل به الدناءة والسخافة إلى عبادة إله صنعه من تمر وعجين, فإن جاع أكله, كيف يرقى ؟
وأية حضارة يبنيها هذا الإنسان ؟

وكانوا قوما من البدو, جل أو كل ما عندهم من أنشطة إنما هي محصورة في التجارة ورعي الغنم, لا ينظم حياتهم قانون ولا دولة؛ إلا القهر والغلبة, ونمط حياتهم يقلد فيه الأبناء الآباء, مصونا من أدنى نقد أو تمحيص. هذا وتأثرهم بالعالم الخارجي لا يكاد يكون شيئا مذكورا.
وكانت روح العصبية الجاهلية تسودهم, يتعصب الرجل لبني قومه, ويغضب لهم ولا يسأل"فيم" ؟ ولذا كانت نار الحرب متأججة بينهم, يشعلها أتفه حادثة تقع بين القبيلتين. يقوم الرجل فيقوم له القبيلة, وتقوم لها الأحلاف, فيتسع بذلك دائرة الحرب بينهم.
وهذه القبائل كانت تختار لأنفسها رؤساء يسودونها، وأن القبيلة كانت حكومة مصغرة، أساس كيانها السياسي الوحدة العصبية، والمنافع المتبادلة في حماية الأرض ودفع العدوان عنها‏.‏
وكانت درجة رؤساء القبائل في قومهم كدرجة الملوك، فكانت القبيلة تبعًا لرأي سيدها في السلم والحرب، لا تتأخر عنه بحال، وكان له من الحكم والاستبداد بالرأي ما يكون لدكتاتور قوي؛ حتى كان بعضهم إذا غضب غضب له ألوف من السيوف لا تسأله‏:‏ فيم غضب، إلا أن المنافسة في السيادة بين أبناء العم كانت تدعوهم إلى المصانعة بالناس من بذل الندى وإكرام الضيف والكرم والحلم، وإظهار الشجاعة والدفاع عن الغيرة، حتى يكسبوا المحامد في أعين الناس، ولاسيما الشعراء الذين كانوا لسان القبيلة في ذلك الزمان، وحتى تسمو درجتهم عن مستوى المنافسين‏.(1)‏
وكان للسادة والرؤساء حقوق خاصة، لا يشاركهم فيها العامة.
وفي هذا القوم بعث هذا الرجل ليصنع منهم قادة البشرية طرى, ومهندس الحضارة غدا.
فأي مهمة هذه ؟!
وأي تحدٍ هذا ؟!

الجانب الثالث: حال بقية العالم في الوقت ذاك
هكذا كان حال القوم الذين بعث منهم هذا النبي الكريم عليه الصلاة والسلام, أما بقية العالم فما حالها في هذا الحين ؟
فما كان يقال عنها حضارات في ذلك الوقت, لا تعدو عن امبراطريات مسيطرة على بعض مناطق العالم, ولم يكن لها من أطماع سوى بث نفوذها العسكري على الأرض؛ وليس تحريرها بدين صحيح, وسياستها بنظام عادل.
وفرق بين دولة تهدف إلى مصالحها المادية فحسب, وأخرى ترمي إلى حفظ مصالح رعيتها المادية والمعنوية.
فالناس تحت تلك القيادات بين سادة وعبيد، أو حكام ومحكومين، فالسادة كان لهم كل الغُنْم، والعبيد عليهم كل الغُرْم، وبعبارة أوضح‏: ‏إن الرعايا كانت بمثابة مزرعة تورد المحصولات إلى الحكومات، والحكومات كانت تستخدمها في ملذاتها وشهواتها، وجورها، وعدوانها ‏.
‏والناس كانوا يذوقون من الذل والهوان ألوانا, وفي ظلمة الجهل يتخبطون عميانا، والظلم ينصب عليهم من كل جانب، وما في استطاعتهم التذمر والشكوى، بل كانوا يسامون الخسف والجور والعذاب ضروبا ساكتين، فقد كان الحكم استبداديا، والحقوق ضائعة مهدورة‏, وليس هناك رحمة للرعية, ولا حكم بالسوية, أو عدل في القضية.

وأما الأديان فقد أخبرناك سالفا عن حقيقة أمرها, وأنها بجميعها كانت تقصر عن تأدية هذا الدور, لأنها ليست له, ولما داخلها من تزييف و تحريف كثيرَين.
فكان لا بد للعالم من نظام جديد؛ يخرجه من هذا التدهور, ويقذفه نحو التطور, وذلك في جميع المجالات.
وكان طبيعة العلاج تقتضي أن يكون نظاما مزدوجا, يرسو على أساسين أصيلين, هما قوام أمور الناس في الدنيا والآخرة: الدين الصحيح, والنظام العادل.
وأن يكون كل واحد منهما أصيلا؛ لا أن يكون أحدهما أصيلا والآخر أجنبيا مستعارا لظروف طارئة, أو أغراض جانفة.


وكان ذلك هو شأن بعض الدول الموجودة في الوقت, حيث جعلت من الدين آلة تتغفل بها الناس؛ حتى يدينوا لها بالانقياد والانسياق. فأوجدت لذلك تحالفا بين رجال الدولة ورجال الدين, وهو تحالف خطير, ينتهي بإكراه الدين إلى الرعية, وينزع عن قلوبهم الثقة برجاله؛ كما حدث ذلك في الأزمنة الأخيرة في أوروبا, حيث كان المجتمع منقطعا إلى أثرياء رؤساء, وفقراء أجراء, وانتصبت الكنيسة وسيطا بين الطبقتين؛ ليكون دورها تَغفيل وتنويم الفقراء المستعبَدين, وتهدئة ثورتهم ضد الأثرياء المستعبِدين.
الأمر الذي جر المجتمع الأوروبي إلى فقد ثقته برجال الدين كليا, وإقصائهم عن كل ما هو من أمور الدولة بعيدا. هنالك حرموا على أنفسهم, وعلى غيرهم, ربط الدولة بدين القوم, وحبسوا مفهوم الدين في بعض الشعائر التعبدية فقط, وأخطئوا بلا شك؛ لأن تجربتهم هذه إنما تخصهم ودينهم؛ لا غيرهم ودينهم, لكنهم "دكتاتوريون" في الفكر, وهي أخطر أنواعها.
ومن نتائج فشل الكنيسة الفاضح في القيام بدورها في المجتمع الأوروبي, نفورهم من الدين, والنظر إليه كموضع استغلال لخيرات الشعب لا حفظها وتنميتها؛ حتى قال أحدهم: "الدين أفيوم الشعب" والعجب أنهم مع ادعاءهم الفكر والتحقيق غفلوا عن حقيقة هي: أن خلو مجتمعاتهم عن دين صحيح يصلح أزمتهم المعنوية, ويصد الفراغ الروحي في الناس, هو الذي تركهم وكأنهم حمرٌ مستنفرة, فرت من قسورة, تتجهمهم العقائد الفتاكة من كل جانب.
ومن أخطر هذه العقائد: الشيطانية(1) التي عمت الدول الأوروبية, ويقوى شوكها يوما بعد يوم؛ خاصة في أوساط الشباب, وهي نحلة شريرة خطرة؛ بما تطمح إليه من أهداف عنصرية نازية, وغيرها كثير.
في الوقت الذي يجندون الجنود, ويخططون الخطوط؛ لمنع الإسلام من الانتشار في مجتمعاتهم, وهم لا يعرفون أو يعترفون أن الخطر الذي يتخوفون منه ليس من الإسلام الذي قد أساءوا قراءته وتفسيره؛ بل من هذه النحل التي تلعب بعقولهم.



وهذه المواصفات التي قلت قريبا إن طبيعة العلاج المناسب كانت تقتضيها, فإنها- إذا تأملتها - كلها مجتمعة في شخصية رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ حيث جاء بإصلاح الدين, وإصلاح الدنيا, والجمع بين مصلحة الروح والجسد.
وحث على القيام بالأمرين, وأن كل واحد منهما ممد للآخر, ومعين عليه.
وجعل العلم, والدين, والولاية, والحكم متآزرات متعاضدات. فالعلم والدين يُقَوّمان الولايات, وتنبني عليهما السلطة والأحكام. وقيّد صلى الله عليه وسلم الولايات كلها بالعلم والدين الذي هو الحكمة, وهو الصراط المستقيم, وهو الصلاح والفلاح والنجاح.
فحيث كان الدين والسلطة مقترنين متساعدين فإن الأمور تصلح, كما أن الأحوال تستقيم.
وحيث فصل أحدهما عن الآخر اختل النظام, وفقد الصلاح والإصلاح, ووقعت الفرقة, وتباعدت القلوب, وأخذ أمر الناس في الانحطاط.(1)
فكان صلى الله عليه وسلم يقول في دعاءه : ( اللهم أصلح لي ديني الذي فيه عصمة أمري, وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي, وأصلح لي آخرتي التي فيها معادي ...) هذه الشمولية كانت من أبرز خصائص دعوته عليه الصلاة والسلام.
وسأبين لك في درج الحديث طائفة أخرى من خصائص شخصية هذا الرجل عليه الصلاة والسلام.


الجانب الرابع: مقارنة الوضع قبل بالذي بعد بعثة هذا الرجل الكريم صلى الله عليه وسلم
إذا قارنا الوضع السائد في الناس قبل ظهور النبي الكريم, بالوضع الذي تركهم عليه, اتضح أن هذا الرجل صلى الله عليه وسلم هو الذي رقي بالبشر نحو الأكمل والأفضل, لأن كمال البشر بكمال أخلاقه, لا بكمال بنيته الجسمية وهيئته.
وهذا الكمال في الخلق هو الذي يضمن لهم سلامة واستقرار مجتمعهم بنطاقه الواسع, ويكفي أبسط تأمل في أحوال المجتمعات السابقة والحاضرة؛ لإدراك ما للخلق من علاقة عميقة, وصلة وثيقة, بصلاح المجتمع وبقاءه.
فالخلق من الركائز الأولية لبناء المجتمع, وأي مجتمع عدمها –أي الركيزة-, فعاقبته الاندثار والدمار بلا شك؛ لأن المجتمع ليس إلا عبارة عن أفراد جمعتهم الحياة في مكان واحد, والذي يحدد, ويوجه علاقة كل فرد بالآخرين؛ إنما هو خلقه الذي منه ينطلق سلوكه, وتوجهاته, وجميع تصرفاته في حياته, فيصح القول إذاً بأن الخلق هو الموجه, والمؤثر المباشر في سير المجتمع سلبا و إيجابا.
وهذا كاف في الكشف عن خطورة الخلق ومنزلته في المجتمع, وأن الرقي بالبشر لا يتم إلا بالنهوض بخلقه نحو الأكمل, فأكمل البشر أكملهم خلقا, وليس أقواهم جسما.
وأنه مهما تفوق الإنسان, وعلا في الماديات مع سُفالة أخلاقه ورذالتها, فإنه ينحط ولا يرقى, ويهلك المجتمع ولا يبقى.
وهو - صلى الله عليه وسلم- الذي علمنا أن كمال الإنسان ليس في كمال أو جمال جسمه دون خلقه, حيث كان إذا نظر إلى نفسه في المرآة - وكان من أحسن الناس خَلقا- حمد الله وشكره على ما أنعم به عليه من جمال وكمال الخلقة, وسأله كذلك أن يحسِّن له خُلقه؛ إذ بذلك يكون الكمال المتوازن. فكان صلى الله عليه وسلم يقول: (الحمد لله الذي خلقني فسواني, اللهم كما أحسنت خَلقي, حسِّن خُلقي)
وأيّما مجتمع انخلع عن الخلق الفاضل, انقلب عيش أبناءه كحياة الأنعام في الغابة؛ حجرة عن أي ضابط أو نظام يقيدها.
ومن هنا قال أحدهم:
إنما الأمم إلا أخلاقها ما بقيت -- فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

ولما كان سر رسالة النبي الكريم يكمن في الحفاظ على بقاء المجتمع البشري, وليس فحسب, بل وإصلاحه, وتطويره نحو الأفضل؛ كي يتحقق له النجاح والفلاح في الدارين, جعل إصلاح أخلاقهم في المقدمة من الغايات التي يسعى ليحققها:
« إنما بعثت لأتمم محاسن الأخلاق(1)»
فحصر الغاية من بعثته في هذه المهمة, وكأنه لم يُبعث إلا لها. وهذا غاية في التنبيه على أهمية الخلق, ومكانته في رسالته التي يحملها إلى الناس.
وما قال هذا أحد قبله ولا بعده !
لماذا هو وحده ؟
لأنه هو المتمم المصلح: (إن مثلي ومثل الأَنْبِيَاء من قبلي كمثل رجل بنى بيتاً فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية، فجعل النَّاس يطوفون به، ويعجبون له ويقولون هلا وضعت هذه اللبنة قَالَ: فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين)
فإنه آخر لبنة يكمل بها البنية. فالبنية بنية الرسالة, والرسالة رسالة صنع البشر.
وهذا له مؤهلاته ومتطلباته, إلا أن الله قد اختاره, وأعده, وأمده, فكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقا, وأرجحهم عقلاً، وأصدقهم قولاً وفعلاً، أدبه ربه – عز وجل -فأحسن تأديبه، ورباه فأحسن تربيته، وعلمه فعصم تعليمه: ﴿ وإنك لعلى خلق عظيم ﴾ {القلم: 4} أجل ! والتاريخ خير شاهد. ﴿ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر ﴾ {الأحزاب: 21 }﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر﴾ { آل عمران:159 }
﴿ لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم ﴾
{ التوبة: 128 }
إن مما يقوله الحكماء: أن رب البيت أدرى بما فيه. وأنه لا يُحسن تربية العباد أحد مثل رب العباد.
فإنه بالفعل كان يربي الناس؛ ليس بما يهواه أو يشتهيه, بل بالوحي المعصوم. الأمر الذي يفسر لك كونه من قوم, نشأ فيهم وترعرع, ثم يخالفهم تماما على العادات الجاهلية التي كانوا عليها, وأخذ يبدلها بتعاليم وآداب ما عرفها الأجداد ولا الأقران, وهي أزكى وأسمى ما تحلى به إنسان.

وسأورد لك جملا من تعاليمه العالية؛ مع شيء من التعليل, لاستخراج بعض الحكم منها, لأن معرفة هذه العلل والحكم يجعل النفس يركن أكثر إلى هذه التعاليم, وإلا فكلها حكم؛ سواء اطلعنا على وجهها أم لا.
لأن طريقته عليه الصلاة والسلام أنه كان يأمر الناس بما فيه صلاحهم, ولا يشغلهم بالكلام في أسباب الكائنات كما تفعل المتفلسفة, فإن ذلك كثير التعب قليل الفائدة أو موجب للضرر.
ومثاله عليه الصلاة والسلام مثال طبيب دخل على مريض فرأى مرضه فعلمه, فقال له: اشرب كذا, واجتنب كذا, ففعل ذلك فحصل غرضه من الشفاء.
والمتفلسف قد يطول مع هذا المريض الكلام في سبب ذلك المرض وصفته وذمه وذم ما أوجبه, ولو قال له المريض: فما الذي يشفيني منه ؟ لم يكن له بذلك علم.
ولهذا ترى ضعفة العقول يغترون بكلام الفلاسفة؛ لما فيه من الثرثرة والفضفضة التي لا تسمن ولا تغني من جوع, بل يزيدهم حيرة إلى حيرتهم. وأنت - أيها اللبيب - إن أردت لغلتك روياً, فانهل من معين هذا الرجل, ففيه نيل الطلب وبلوغ الأرب.
- كان الرجل في الجاهلية إذا لقي صاحبه لا يسلم عليه, وإنما يقول: حييت صباحاً وحييت مساء. وكان ذلك تحية القوم بينهم, فلما جاء النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أبدلهم بهذه التحية خيرا منها: "السلام عليكم ورحمة الله وبركاته"
"السلام" ؟!! نعم السلام! فعلمهم أن أحدهم إذا التقى أخاه دعا له من الله بالسلام, والرحمة, والبركة.
فأي شيء بعد هذا ؟
ومن أين له هذا ؟
وهل يدعو للناس بالسلام من لا يريد بهم السلام ؟
وكان أحدهم ينطلق إلى صاحبه فلا يستأذن حتى يقتحم ويقول: قد دخلت !! ونحو ذلك.
فيشق ذلك على الرجل ولعله يكون مع أهله, فلما جاء عليه الصلاة والسلام غير ذلك كله في ستر وعفة, وجعله نقياً نزهاً من الدنس والقذر والدرن: ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ﴾ { النور: 27}
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه, ولكن من ركنه الأيمن أو الأيسر, ويقول «السلام عليكم, السلام عليكم» وذلك أن الدور لم يكن عليها يومئذ ستور.

وجاء رجل فوقف على بابه صلى الله عليه وسلم يستأذن, فقام على الباب مستقبل الباب,
فقال له النبي صلى الله عليه وسلم « هكذا عنك ـ أو هكذا ـ فإنما الاستئذان من النظر»
هذا حتى لا يقع عينه على بعض ما بداخل البيت, وفرارا من ذلك فد شَرع لهم الاستئذان.
وعلمهم كذلك أن أحدهم إذا استأذن على أخيه فلم يأذن فلا يلح ويلح عليه؛ ليحرجه, وإنما عليه أن ينصرف بعد الثالث. نعم ثلاث مرات تكفي ! لأنك لا تدري ما المانع له من أن يأذن لك بالدخول ؟ وكونك تنصرف لما لم يمكنه استقبالك يخفف عنه كثيرا, والالتزام بهذه الآداب يقوي عواصر المحبة والود بين أفراد المجتمع.(1)
وكذلك في النكاح, فإنه غير كثيرا من العادات الجاهلية التي توارثها قومه خلفا عن سلف, فغيرها كلها بنظام محكم ومضبوط بقيود وشروط معلومة, مفيدة للجميع.
كان أنكحتهم في الجاهلية على أنحاء عديدة, أذكر لك منها أربعاً‏:‏
النكاح الأول: يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها, وهو الذي أبقى عليه الإسلام, وإنما زاده نظافة ونضارة.
النكاح الثاني‏:‏ كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها‏:‏ أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه، ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدًا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه، فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب، وإنما يفعل ذلك رغبة في نَجَابة الـولد، فكان هـذا النكاح ‏يسمى‏ نكاح الاستبضاع.
النكاح الثالث‏:‏ يجتمع الرهط دون العشرة، فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها، فإذا حملت، ووضعت ومر‏ت‏ ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم، فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها، ‏فتقول لهم‏:‏ قد عرفتم الذي كان من أمركم، وقد ولدت، فهو ابنك يا فلان، ‏
فتسمى من أحبت ‏منهم‏ باسمه، فيلحق به ولدها‏.‏ لا يستطيع أن يمتنع منه الرجل.

النكاح رابع‏: ‏يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها،وهن البغايا،كن ينصبن على أبوابهن رايات تكون علمًا، فمن أرادهن دخل عليهن، فإذا حملت إحداهن ووضعت حملها جمعوا لها، ودعوا لهم القافة، ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون، فالتاط به، ودعي ابنه، لا يمتنع من ذلك، فلما بعث ‏الله ‏ محمدًا صلى الله عليه وسلم بالحق هدم نكاح ‏أهل الجاهلية كله إلا نكاح الإسلام اليوم‏, وهو النوع الأول.(1)

ونكاح خامس كان بالإرث: كانوا إذا مات الرجل وترك امرأته, ورثها ابنه الأكبر بعد موته بلا صداق, فإذا كان الولد الأكبر لا يريد الزواج به, أي لا يرغب فيها زوجها بعض إخوانه, وإذا لم يريدوا زواجها غيرهم زوجوها وأخذوا صداقها أو عضلوها حتى تفتدي بما ورثته أو تموت فيرثوها. فجاء الإسلام ونهى عن هذا الفعل الإجرامي:
﴿ يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ﴾ ﴿ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ﴾(1) تأمل في هذا التنظيف, أيها اللبيب ! تدرك أن الإسلام هو الذي حرر المرأة وشرفها, ولا حرمها ولا حقرها.
فالحرمان حيث كانت تحرم من جميع حقوقها, كما كان أهل الجاهلية يفعلون.
والتحقير والإهانة –كما هو الشأن في الغرب- حيث صارت المرأة ألعوبة تتناقلها الأيدي, وبضاعة تختار بالذوق والتشهي, وآلة لقضاء اللذات والتسلي؛ عارية عن حرمتها, وحشمتها, وعفتها,وكرامتها, وحصانتها التي كانت لها, والأطم أن أقصيت بعيدا عن مهنتها الشريفة, وهي مهنة صنع الأجيال. كل ذلك, وأوهموها أنهم حرروها, بل ضيعوها.
فالمرأة نفيسة وضعيفة. والنفيس يحفظ, والضعيف يمنع. (خيركم خيركم للنساء) (استوصوا بالنساء خيرا)
وقومه في الجاهلية كانت روح الفوقية والطبقية قوية في نفوسهم, وهو؛ مع أنه كان من أنسبهم, كان يجالس الموالي والعبيد بلا ترفع أو حرج.
وكان يربي جميع أتباعه على المساواة والأخوة في الدين.
مرّ به الملأ من قريش يوما من الأيام, وعنده صهيب وبلال وعمار وخباب وغيرهم, من ضعفاء المسلمين, فقالوا: يا محمد أرضيت بهؤلاء من قومك ؟
أهؤلاء الذين مَنّ الله عليهم من بيننا ؟
أنحن نصير تبعاً لهؤلاء ؟
اطردهم فلعلك إن طردتهم أن نتبعك, فنهاه ربه عن طردهم : {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين }(2) رغم أنه صلى الله عليه وسلم كان حريصا على أن يستجيب قومه لدعوته, لكن على الحق.
وكذلك هو الذي محا العصبية الجاهلية من نفوس هؤلاء الذين كانوا كما ترى؛ حتى انمحت بالكلية.
ويوما حدث شيء –وهو طبيعي- بين بلال الحبشي الأسود, وأبي ذر الغفاري, فقال له أبو ذر: يا ابن السوداء !
فشكاه بلال إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فغضب النبي غضبا شديدا, ولما جاء أبو ذر عاتبه, وقال له: "أعيرته بأمه ؟, إنك امرؤ فيك جاهلية(1)" ، فتأثر أبو ذر بموقف النبي صلى الله عليه وسلم تؤثرا شديدا, وتحسَّر وندم كثيرا، وقال: وددت –والله- لو ضرب عنقي بالسيف، وما سمعت ذلك من رسول الله –صلى الله عليه وسلم-
ووضع خده على التراب ثم قال: يا بلال؛ ضع قدمك على خدي، لا أرفعه حتى تضعه، فذرفت عينا بلال الدموع، وقال: يغفر الله لك يا أبا ذر، والله ما كنت لأضع قدمي على جبهة سجدت لله رب العالمين، ويتعانقان ويبكيان, وقد ذهب ما في القلوب.
وكان أبو ذر الغفاري رضي الله عنه يُلبس خادمه ويُطعمه ويُسكنه من نفس ما يلبس ويطعم ويسكن.
﴿ يأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم ﴾ {الحجرات: } (يا أيها الناس إن ربكم واحد, ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى(2)) ( إن الله أوحى إلي: أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد و لا يبغي أحد على أحد(3) )
أين كان مدعي "الحرية" و "المساواة" في هذا الوقت ؟


رأيناهم بعد ذلك بقرون, متوغلين في أقصى غابات أفريقيا؛ بحثا عن "عبيد" يأخذونهم قهرا من أوطانهم ليبيعوهم في الأسواق. وهؤلاء الذين كانوا –بالأمس القريب- يبيعون ويشترون, لما امتصوا الدماء حتى ارتووا, أفاقوا يعلموننا اليوم "الحرية" و "المساواة"
فالنبي صلى الله عليه وسلم رقي بهؤلاء إلى الكمال, فكانوا خير أمة أخرجت للناس, بعد أن كانوا في أسفل السافلين.
وما فارق الحياة الدنيا إلا وقد علمهم جميع محاسن الدنيا والآخرة, وما ترك أمرا من أمور حياتهم إلا وأدبهم أدبه على أكمله وأحسنه.
فمن الآداب التي علمهم عند قضاء الحاجة: التعوذ بالله من الشر الموجود في هذه الأماكن؛ لأنها أماكن يسكنها الشياطين, والإنسان يخلو فيها, فكان بحاجة إلى عصمة الله له من كل شر في هذه الأماكن.
الأدب الثاني: أن يقدم رجله اليسرى عندما يدخل في هذه الأماكن, لأنها أماكن النجاسات والأقذار, فناسب أن يدخل بالرجل اليسرى لأنها دون اليمنى في الفضل.
الثالث: عندما يقضي حاجته أن لا يستقبل أو يستدبر القبلة التي يستقبلها في صلاته, لأنها جهة الكعبة المشرفة التي يخصصها لصلواته, ولذا عندما يكون في مثل هذا الحال لا يحسن منه أن يستقبلها كما يفعل في الصلاة, وهذا من مظاهر الاحترام.
الرابع: الاستنجاء بالماء أو الحجر أو ما هو في معنى مما ينقي كالمنديل مثلا. ولعلك تقول: كيف يتنظف إنسان من الحجار ؟
وسأقول لك: هذا من يسر الشريعة الإسلامية ومرونته, فإنها لو حصر التنقية في الماء دون غيره لكان فيه حرج على من يعز عندهم الماء مثل سكان البادية, أو من لا يجده بالكلية. وتعلم أن بين الماء والحجر أشياء كثيرة يمكن التنظيف بها, فكل ما استعمل منها فحسن؛ إلا العظم والروث.
وكذا نهاه أن لا يستعمل يده اليمنى لإزالة النجاسة, لأن اليد اليمنى خصصت للأمور المحترمة؛ كالمصافحة والأكل وغير ذلك.
الخامس: أن من كان في الغابة مثلا, أو الصحراء يختلف عمن هو في العمران, فأمر كلا منهما بما يناسبه ليستر عورته, لأن الإسلام يحافظ على كرامة الإنسان مهما كان, ولذا أمر من كان في مكان فيه أشجار أن يستتر بشجرة عن الأنظار؛ لكن وجَّهه بتوجيه آخر, هو أن لا يقضي حاجته تحت شجر مثمرة؛ لأن الناس كثيرا ما يقصدون هذه الشجر للانتفاع بها, ولا تحت شجرة مظلة؛ يقصدها الناس للاستظلال بظلها.
وكذلك أمر من كان في الصحراء أن يستر عورته؛ بالإبعاد عن الأنظار, وأن لا يرفع ثوبه حتى بدنو من الأرض.
السادس: أن لا يقضي حاجته في طريق الناس. واعلم أن ذلك إذا كان عندك من أبعد الأمور, فغيرك ممن يعيش في أمكنة تختلف كل الاختلاف عن مكان عيشك, قد يقع منهم هذا الأمر, فهم بحاجة إلى مثل هذه التعاليم. لأن الإسلام دين جميع الناس, وجميع الأمكنة.
وهذا النهي ليس خاصا بالطريق فحسب, وكذلك كل مكان يعتاده الناس, وليس خاصا لقضاء الحاجة؛ كما تقدم في الشجرة المثمرة والمظلة.
السابع: أمره إذا فرغ من قضاء حاجته وخرج أن يقول: "غفرانك" وهذا سؤال من الله المغفرة, لأن النجاسة نوعان: حسية, ومعنوية. فإنه لما تطهر وتخلى عن النجاسة الحسية فكر في نجاسته المعنوية التي هي ذنوبه وسيئاته, فسأل الله أن يطهره منها كما يسر له التطهر من الحسية, فكان هذا تناسبا حسنا.
وهكذا في جميع أمورهم. ففي السفر مثلا: علمهم أن الأفضل أن لا يسافر أحدهم وحده؛ بل الأفضل أن يكون ثلاثة فأكثر, ووجههم إذا كانوا ثلاثة أن يؤمروا أحدهم عليهم أثناء سفرهم؛ لما في ذلك من التيسير عليهم, وجمع كلمتهم؛ حتى لا يحدث بينهم الخلاف والتنازع في أمورهم.
وهذا يعلمه كل من جربه.
وفي الجماع: أرشدهم إلى آداب سامية: أولا "وفي بضع أحدكم صدقة" قالوا: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر ؟ قال: (أريتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر ؟ فكذلك إذا وضعها في الحلال كان له أجر) هذا إرشاد إلى مقصد من أعظم مقاصد النكاح, وهو العفاف عن الحرام.
فيقضي الإنسان شهوته في هذا المحل الطاهر المباح ليكفه ذلك عن الحرام الخبيث,والزنا سرطان خبيث يأكل المجتمع الذي انتشر فيه من داخله, وأقبح أنواعه هو الذي يكون في بيت الزوجية.
خلافا لمن ينظر إليه كأي حاجة من الحوائج تقضى:
ومن يهن يسهل الهوان عليه ---- وما لجرح بميت إيلام
وأرشدهم إلى ما ينبغي من المداعبة بين الزوج والزوجة؛ لما فيه من إثارة كل منهما, ويقرب وصول كل من الطرفين إلى المطلوب من قضاء شهوته. وبما أن الرجل هو الأسرع وصولا إلى ذلك, نبهه على إلقاء مطلوب الطرف الآخر في البال؛ كيلا يحرمها من نصيبها؛ بل لا يقوم وإنما يتريث معها حتى تقضي حاجتها, وإذا كانا قد أخذا حظا وافيا من المداعبة كفيا ذلك.

وكذلك أرشد الرجل إلى الوضوء بين كل جماع, أي بين الفواصل التي تكون بين جماع وآخر؛ لأن ذلك أنشط للعود, ولما فيه من مس الماء الذي يطلق الجسم من فتوره الذي يعقب الإنزال, وهو كذلك تطهر يجدد النشاط كالأول أو يكاد.

كذلك آداب: الأكل, والشرب, ومجالسة الإخوان ومصاحبتهم, وإكرام الضيف, وطرق الأهل, ولبس الملابس, وانتعال الحذاء, والنوم, والاستيقاظ, و....., و....., إلى أشياء يطول عدها مما هو من أمور الناس في معايشهم. ففي كلها يرشدهم ويعلمهم آدابا لم تكن معروفة في حضارة من الحضارات, ولا دين من الأديان.
وهكذا جعل من بهؤلاء سُرُجا يستضاء بها, ونُجُما يهتدى بها.

الجانب الخامس: النظر في الوسائل التي استعملها النبي صلى الله عليه وسلم لفعل هذا الإصلاح والتغيير.
يتمحض من دراسة تاريخ البشرية, أن توحيد الأرض تحت نظام واحد, من التشتت والفوضى ليس بمهمة سهلة؛ خاصة وأن ينطلق من ذلك القطاع الجاف؛ الخالي عن كل نظام وحضارة(1), فإنها مهمة تضطر إلى عوامل, ووسائل قوية؛ لتنال نجاحا. أربع منها ضروري اكتمالها لدى من ستتم هذه المهمة على يديه:
1) لا بد أن يكون ذا شخصية بارزة جذابة, تتسم بالتكامل والاتزان في جميع الجوانب؛ ليكون قدوة يقتدى بها, وأسوة يتأسى بها, لا أن يبرز في جانب ويغمض في آخر, أو يُفْرط هنا ويفرِّط هناك.
كما هو الشأن في بعض الرجال الذي ينوه بأمره الغربيون, وتجده مكبا طول حياته على مادة ليبرز فيها, وقد تكون مما يعلمه العاديون من الناس اليوم, أو لا يكون لذلك الأمر أية علاقة بمكونات شخصيات الرجال؛ بل بما يحطمها, إلا أنهم قوم انقلبت عندهم المعايير, وتلطخ منظارهم بالهوى والتشهي؛ لا الحق والتهدي. أما ذاك فهو قائد للأبد, وهاد للبشر, والقائد له مؤهلاته, والهادي له مواصفاته.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
شخصية الحبيب المصطفى عليه أفظل الصلاة واتم التسليم
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-
» مشجرة نسب الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم
» أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم ..., الحبيب المصطفى ....
» من حياة النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته
» سيرة السيدة صفية عمة النبي عليه الصلاة والسلام
» معجزات الحبيب المصطفي

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
موقع بلدة ابطع :: المنتدى الاسلامي :: الحديث الشريف والسنة النبوية-
انتقل الى: