ان حياة النبي صلى الله عليه وسلم منذ النشاه الاولى قبل البعثة الرسالية _ تميزت بسمات خاصة ,وخصال لم يكن ليدانيه فيها معاصر له ,مما جعل مجتمع كفار قريش يقف موقف تقدير لهذه الشخصية الفريدة , وكان من مظاهر هذا الموقف انه قد اطلق على محمد صلى الله عليه وسلم لقب : الامين _الصادق , يضاف الى ذلك الموقف الحكيم الذي اتخذه النبي صلى الله عليه وسلم يوم كان العرب يرممون بناء البيت العتيق في مكة المكرمة , واختلفت القبائل على صاحب الحق في رفع الحجر الاسود , وكان مرور النبي في تلك اللحظة فعرضوا الامر عليه , وكان الحل المخرج بان يضعه على عباءته ويحمل اشخاص من كل القبائل اطراف العباءة لرفع الحجر , وهكذا انتهت المشكلة بسلام . ان مجر عرض مشكلة بهذا المستوى مع وجود اعيان القبائل على الرسول الكريم يعطينا فكرة عن مدى الاحترام الذي تمتع به صلى الله عليه وسلم عند اهل مكة بداع من صفات وخصال شخصية ميزته عن سواه من الناس .
اما الوجه الآ خر في سمات الشخصية قبل البعثة فهو ما دأب عليه النبي صلى الله عليه وسلم من تعبد لله تعالى في غار حراءحيث كان يعتزل الناس في جاهليتهم , وانشغالهم بالدنيا , فيفارقهم شهرا كاملا وكانت عبادته على ملة جده ابراهيم عليه السلام , اي الحنيفية الاولى , ففي شهر رمضان من كل عام كان موسم الاعتكاف والامتفاء باليسير من الزاد زهدا بمطالب الحياة الدنيا , وسموا الى حياة روحية وجدانية تتحقق فيها فرص التامل في عظيم قدرة الله تعالى ,والتفكير في خلق السموات والارض ,وتسبيح الخالق ,ويترافق مع ذلك كله اعلان يعبر عن الرفض المطلق لما كان يسود ذلك المجتمع الجاهلي من معتقدات فاسدة ومشوهة . ان هذا العتزال فيبعض اوقات السنة للناس يحقق صفاء النفس , ويصقل القلب , ويعد الوجدان لتقبل المواهب والرؤى , ولقد اتخذ الصوفيون من هذا السلوك مضافا اليه مسالة الاعتكاف وهي من نوافل العبادات منطلقا لاقرار الانفراد للسالك طريقهم فيما سموه ( بالخلوة ) والتي هي ضرورة عندهم لكل متصوف
نصل بعد ذلك الى مظاهر من السيرة بعد الرسالة حيث يتوقف الصوفيون امام معجزة ومحطة هامة في السيرة النبوية تحقق فيها للنبي محمد صلى الله عليه وسلم من المشاهدات والمعجزات ما لم يعط لغيره حتى من الانبياء والرسل عليهم السلام , أ لا وهي معجزة الاسراء والمعراج . ان ليلة الاسراء هي معجزة تدلل على الاصطفاء الالهي لمحمد صلى الله عليه وسلم وعلى الرؤيا والمشاهدة من النبي لربه , والرؤية والمشاهدة عند الصوفيين طموح وحال مطلوبة قد تكون لمن اعطاه الله تعالى مكانة الولي , ولمن نال رضى الله وحبه تعالى , وهنا ليس المجال متسعا لكي نناقش موضوع الرؤية وكيفيتها , وانما المعلوم من النصوص ان محمد صلى الله عليه وسلم قد تحققت له مشاهدات في محطات عيديدة بمشيئة الله تعالى . ولن ندخل هنا في مناقشة الفرق عن نوع المشاهدات , وهل هي عيانية حسية ام قلبية فقط ؟
ونكتفي بما جاء في النصوص من اخبار ولا داعي للخوض في موضوع ليس من قدرة البشر التحري او مجرد البحث فيه , والدليل فيه يبقى اولا واخرا النصوص في القرآن والسنة . ولكن ما يهمنا هنا هو ان الصوفيين يسعون , دوما - وهم يتنقلون من مرحلة الى اخرى في الطريق الصوفي - للوصول الى حال المشاهدة والرؤية القلبية , ولذلك تعد معجزة الاسراء والمعراج محطة هامة ومنطلقا لحال الوجد , وللسمو الروحي عند المتصوف فوق الحس ومتطلبات الدنيا , واذا كان المعراج معجزة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم فإن المعراج الروحي امر ممكن برأي الصوفيين .
ليست معجزة الاسراء والمعراج هي الوحيدة التي كانت رمزا ومنطلقا للاصطفاء وللقضاء الإلهي , وانما تضاف اليها معجزات عديدة جاءت في احاديث متفق عليها , وقد روى معظمها انس رضي الله عنه , نذكر منها ما حصل مع الامام علي كرم الله وجهه يوم خيبر اذ كان ارمد العينين فتفل له النبي صلى الله عليه وسلم في عينيه , فشفي بإذن الله وتوفيقه ,وبعثه النبي صلى الله عله وسلم حاملا الراية في تلك الوقعة .ومن المعجزات ايضا اطعام النفر الكثير من كمية طعام محدودة في منزل اب طلحة , وكذلك في منزل جابر ومنها ايضا ان الماء قد نبع من بين اصابعه صلى الله عليه وسلم في قدح ضاق عن ان يبسط يده فيه , فشرب العسكر كلهم وهم عطاش وتوضؤوا....... الخ