يمشي وحده، ويموت وحده، ويبعث وحده
أوصى الصحابي الجليل أبو ذر امرأته وغلامه أن: اغسلاني وكفناني ، ثم ضعاني على قارعة الطريق فأول ركب يمر بكم فقولوا هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعينونا على دفنه. فلما مات فعلا ذلك به ثم وضعاه على قارعة الطريق . وأقبل عبدالله بن مسعود في رهط من أهل العراق فلم يرعهم إلا بالجنازة على ظهر الطريق قد كادت الإبل تطؤها ، وقام إليهم الغلام ، فقال : هذا أبو ذر صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأعينونا على دفنه . فاستهل عبدالله بن مسعود يبكي ويقول : صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم ، تمشي وحدك ، وتموت وحدك ، وتبعث وحدك . ثم نزل هو أصحابه فواروه.
قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم هذه العبارة عندما لحق بهم الصحابي الجليل أبو ذر وهم متجهين لغزوة تبوك لمحاربة الروم وكانت تلك الأيام أيام عسر وكان العدو مخيفا .ففي تلك المعركة تخلف مجموعة من المسلمين وكان أصحاب الرسول في السير يقولون له يارسول الله إن فلان تخلف فيرد عليهم صلوات الله وسلامه عليه
فان يكن فيه خير فسيلحقه الله بكم..
وان يكن غير ذلك فقد أراحكم الله منه"..!!
وتلفتو فلم يجدو أبو ذر فقالو لرسول الله فقال نفس ماقال عن البقية .وكان بعير أبو ذر قد ضعف وهو يحاول أن يدفعه للسير فلما رأى أنه سيتأخر عن المسلمين نزل من البعير وأخذ متاعه على ظهره وسار ماشيا على قدميه مهرولا في صحراء ملتهبة . إلى أن دنى من صحبة وقد كانو وضعو رحالهم ليستريحو فقال أحدهم يارسول الله هذا رجل يمشي على الطريق وحده فقال عليه الصلاة والسلام: كن أبا ذر. إلى أن وصل إليهم فقالو يارسول الله إنه والله أبا ذر.
ولم يكد صلى الله عليه وسلم يراه حتى تألقت على وجهه ابتسامة حانية واسية، وقال:
[يرحم الله أبا ذر..يمشي وحده..ويموت وحده..ويبعث وحده..].
وبعد مضي عشرين عاما على هذا اليوم أو تزيد، مات أبو ذر وحيدا، في فلاة الربذة.. بعد أن سار حياته كلها وحيدا على طريق لم يتألق فوقه سواه.. ولقد بعث في التاريخ وحيدا في عظمة زهده، وبطولة صموده..
ولسوف يبعث عند الله وحيدا كذلك؛ لأن زحام فضائله المتعددة، لن يترك بجانبه مكانا لأحد سواه..!!!