العقيدة تعد من أصول الإسلام والفقه من الـفروع , فإذا صحت العقيدة صح العمل , وإذا فسدت العقيدة فسد العمل ، فإذا اعتقدت أن الله تعالى قبض قبضة ، وقال : هذه إلى الجنة ولا أبالي وهذه إلى النار ولا أبالي والقضية انتهت هذه العقيدة تثبط همة المؤمن .
فـالبحث في العقيدة مهم جداً بل هو خطير جداً ، وهذا لا يعني أنني لم أبحث موضوعات العقيدة خلال مدة طويلة بـل بحثنـاها مئـات المرات ، ولكن بمواضيع متفرقة في : الخطب ، والتفسير ، والحديث ، والسيرة وفي الدروس ، أما بحثها على شكل موضوعات متكاملة ومتتابعة فسنبدأ الآن أول مرة .
1- النفس :
جاء في بعض الأحاديث الشريفة أنه " من عرف نفسه عرف ربه " ، فلنبدأ بالحديث عن النفس , التي هي بين جوانحنا والتي في الصدور ، قال الله تعالى :
(سورة الملك الآية : 13)
هذه النفس التي هي ذات الإنسان , نتعرف بها أن الإنسان مخلوق من نوع خاص ، فالكون كـلـه مــا فـي السموات ومـا في الأرض مسخرٌ له , فإذا كان الكون كله مسـخراً له فأيهمـا أكـرم عنـد الله ، الكـون بأكملـه أم هذا الإنسان الذي سّـخر لـه الكون بأكملـه ؟ فـالعقل يقول : المسخرُ له أكرم من الشـيء المسـخر ، فقال الله تعالى عن الإنسان :
(سورة الإسراء الآية : 70)
وأيضاً :
(سورة الأحزاب الآية : 72)
هذا الإنسان المكرم زوده الله بوسائل التكريم ومنها :
طرق تكريم الله للإنسان :
1- القوة الإدراكية :
للإنـسان قوة إدراكية ، فالحائط ، والطاولة ، والأحجار ، والأشـجار هـذه الأشياء لا تدرك ، فالإنسان مميز ، ومفضل ، ومكرم بهذه القوة الإدراكية .
مثلاً : مجتمـع الـقرود منذ وجودهم على الأرض وحتى الآن ، هل طرأ على حياتهم تطور؟ فهل سكنوا في البيوت ؟ وهل اخترعـوا أجـهزة ؟ وهل نظموا مجتمعهم ؟ فالقرد هو القرد ، لم يتغير ولم يتبدل ، فالفرق الجوهري بين الإنسان والحيوان هو القوة الإدراكية .
2- الإدراك :
فالإنسان إذا عـطل إدراكـه عطـل إنسـانيته ، أي إذا عـطل إدراكـه جعل نفسـه فـي صف الحيوان ، وهذا قول لا يحتمل المناقشة لشدة وضوحه ولشدة تشعّب الموضوع ، فلْنَبْقَ في القـوة الإدراكـية التـي خصـهـا الله للإنـسان والتـي يتميز بها عن سائر المخلوقات ولاسيمـا الحيوان ، و لها مشكلة ، أنها عالة على العالم الخارجي والعالم الداخلي ، وهي مـن دون عالـم خـارجـي وعالم داخلي لا قيمة لها ، حيث تتعطل وظيفتها .
نوافذ الإدراك :
1- العالم الخارجي :
الله تعالى جعـل لنـا نوافـذ تطل عليه ، فالبصر نافذة ، والشم ، والسمع ، والذوق ، والإحسـاس بالحرارة والبرودة ، وكذلك الضغط وجميع الأعصاب والحواس هي نوافـذ القوة الإدراكية على العالم الخارجي ، ولو تخيلنا أن إنساناً أوتي من الذكاء ما لم يؤت أحـد من العـالمين وكان كفيف البصر ، فهل يستطيع أن يعـرف الـلون الأحمر ، وما الفرق بينه وبين اللون الأخضر ؟ نرى أن كـلمة أحمـر , وأخضـر , وأزرق , وبنفسـجي ، وأبيـض وغيـره من هذه الكلمات لا معنى لـها إطلاقاً عندَ هذا الكفيف ، فهذه القوة الإدراكيـة تستعين بهذه النوافذ ، لذلك ربنا عز وجل قال:
(سورة البقرة الآية : 171)
إن القوة الإدراكية تحتاج إلى سمع وبصر وإلى نطق ، فأي كائن أصم ، وأبكم ، وأعمى فهو لا يعقل ، وهنا نجد أن هذه الآية تشير إلى ذلك ، قال تعالى :
(سورة الأنفال الآية : 22)
فهذا الذي خُلق أصـم اسـألـه ؟ هل صـوت البلبل أعذب أم صوت الغراب ؟ فيقول لك : لا أعلم ، وما نوعه ؟ فهو لا يدري ، لأنه لم يسمع صوت البلبل ولا الغراب ، فمهما كان متميزاً بالذكاء ، والنـوافذ المطلة على العالم الخارجي مغلقة فـالإدراك منعـدم .
محدودية الحواس بقدر الله :
هذه الحواس خلقها الله سبحانه وتعالى بقدَر ، قال الله تعالى :
(سورة القمر الآية : 49)
فإنـك عنـدمـا تريد شُـرب المـاء تـراه صـافياً نقيـاً ، فلو وضعت منه قطرة تحت المجهر لرأيت آلافاً ، بل مئات الألوف من الجراثيم والبكتريات والـعصيات ، فماذا تستنتج ؟ إن هذه القوة الإبصارية محدودة ، فإنك تستطيع أن ترى الأشياء على بُعد مئة متر أو مئتين ، ثم بعد ذلك لا ترى شيئاً ، كذلك طبيب العيون يضع لك لوحاً على بعد خمسة أمتار أو أكثر ، فترى فتحـات الـدوائـر الكبيرة ، حتى تصل إلى الـحلقات الصغيرة فتقول له : لا أعـرف ، ويضـع لـك عـلامـة " 8/10 - 5/10 - 3/ 10" ، حيث إنك لا ترى أصغر من ذلك ، إذاً القوة الإبصارية لـها حدود قال تعالى:
( سورة القمر الآية : 49)
وحدودها من تقدير عزيز ، عليم ، خبير ، بصير ، حكيم ، ولو زادت قوة الإبصار أكثر من ذلك لما رأينا في الأرض جمالاً ، وبعـض الأمـاكـن في أنعـم جـلد بشـري تـرى جبـالاً ووديـاناً ونتوءات ، وعندما تم تـكبير أنعـم جـلـد بشـري تحت مجهر يكبر 300000 مرة كان المنظر لا يُحتمل ، فلو أن هذه العين كـانـت قـوة إبصـارهـا أكبـر ممـا هـي عليه لما كان في الأرض جمال ، فقوة الإبصار المحدودة تعتبر نعمة من نِعَم الله عز وجل .
الاستشهاد بأمثلة للتوضيح :
امثلة للتوض
الهواء مثلاً يحتوي على صور ، ومن يرى تـلك الصـور ؟ الـدليـل علـى ذلـك فـي أجهزة التلفزة الذي يلتقط الصور التي لا تستطيع عيناك أن تراها , الفضـاء مملوء بالصور ، فقوة الإبصار محدودة وكذلك الهواء مملوء بالأصوات , فالبث الإذاعي في العالم العربي متعدد ، وكل هذه الإذاعات أمواجها الصوتية مبثوثة في الفضاء ، فجهاز المذياع يلتقط هذه الأصـوات أمـا الأذن فلا تستطيع ذلك ، وهذه من نِعم الله عز وجل .
الحكمة الربانية في تحديد الأشياء :
فلو كان الـسمعُ غيرَ محـدود لسـمعت كـل الإذاعـات دون أن تـدخل إرادتك في أن تسمع أو لا تسمع , لذلك فإن الله عـز وجـل مـن حكمته جعلنا لا نستطيع أن نسمع تلك الأمواج الصوتية ، فلنفرض لـو كان هنـاك سـوق مليء بالضجيج ، أو كان كل شيء على وجه الأرض يسمعه الإنسان لكانت حيـاته مـستحيلة ، فتصـور أنـك تسمع أصوات أمواج البحر ، وكل محرك يعمل ، وكل انفجار ، وكل صـوت فـي الـكرة الأرضيـة ، مـن شمـالها إلى جنـوبها ، ومن شـرقـها إلى غـربها ، مهما دق ذلك الصوت ! ولو تفكرنا في ذلك لعرفنا حكمة الله ، ولعرفنا نعمته في جعل السمع لدينا محدوداً ، ندرك معنى الآية الكريمة :
( سورة القمر الآية : 49)
فالموجة الصوتية عندما تضعف وتتلاشى ، هذه نعمة كبيرة لا تقدر بثمن , الدليل : هناك موجة لا تتلاشى , فهم بعثـوا مـركبة إلـى المشـتري تسـير بسرعة 40000كم في الساعة ، وهي أسرع مركبة صنعها الإنسـان ، وبقيـت فـي مسـيرهـا إلـى المشتري ست سنوات ، وهو أحد كواكب المجموعة الشمسية ، ومـع ذلـك مِن هناك بثت صوراً إلـى الأرض ، وهذه الصور بثت على شكل أمواج ، وهذه الأمواج بقيت على حـالتـها ، وسـعة المـوجـة لم تقل ، فإنّ الله قادر على خلق موجات تحافظ على سعتها ، ولـو أن المـوجـات الصـوتية التـي في الأرض بقيت محافظة على سعتها لأصبحت الحياة على وجه الأرض مستحيلة .
( سورة القمر الآية : 49)
وهـكذا الســمع ، والبصـر ، والشـم ، فالشـم محـدود أيضـاً ، فـلو أن الإنسـان يشـم الروائـح الكريـهة لمســـافـات بعيـدة كرائحـة دابـة ميتة فـي بلد آخر لأصبحت الحياة في بلدك مستحيلة ، ولكن حكمة رب العالمين إذا كانت رائحة كريهة على بعد 200 م فإنها تنتهي وتتلاشى ، فـراكب السـيارة قد يشم رائحة كريهة في طريقه وبعد لحظات يبتعد عنها وتنتهي الرائحة ، إذاً هنـاك محـدودية للحواس .
إنكار الأشياء غير المحسوسة أمر غير علمي :
فهل ننكر الأشياء الغير محسوسة ؟ فمثلاً هناك أجهزة تطرد البعوض والذباب بواسطة أصوات يصدرها الجهـاز تزعج البعوض والذباب ولكن لا يسمعها الإنسان ، وتكون هذه الأصوات دون عتبة السمع , كمـا أن هنــاك أجهـزة حـديثـة لـلقوارض تصـدر أصـواتاً لا يسمعها الإنسان ولكن القوارض تســمعها ، فـإذا سـمعتْه هـربتْ ، ويسـتخـدم فـي المستودعات ، فهل يجـوز للعـاقل أن ينكـرهـا لعدم استماعه لها ؟ فتقول : إذاً إن الحواس محدودة لدى الإنسان ، وهـذه النقطـة هي التـي يجـب أن نصـل إليـها ، وقد قال عـلماء التوحيد : " عدم الوجدان لا يدل على عدم الوجود " .
الدليل :
هنـاك أجهـزة تـلتقط الصور التي لا نراها ، فهل تستطيع أن تنكر ذلك ؟ فإذا قال أحد : إني لا أرى الله ، فأيـن هو ؟ فـتقول لـه : إنَّ هذا هو الغباء والجهل بعينه , لأن عـدم الوجـدان لا يعني عـدم الـوجود ، ولأن حواسنا محدودة لحكمة بالغة ، ونستنبط من ذلك أيضاً أن الشيء الذي لا نراه يمكن أن يكون موجوداً ، ويمكن أن يكون وجوده أخطر من وجودك أنت لكنك لا تراه , ومن ينكـر أن هناك قوة جذب بيـن الأرض والشمس حسب قانون الجاذبية ، فهناك تجاذب بين الكتل المادية بحسب حجم الكتلة ، فكلما كبرت الكتلة زاد الجذب ، وكلما صغرت قلَّ الجذب , وهذه حقيقة مسلَّم بها.
مثال : معلم أراد أن يـبث الإلحـاد بينَ طلابه فقال : نحن لم نشاهد الخالق ، فإذاً هو غير موجود ، فتكلم طفل وقال لهذا الأستاذ : نحن جميعاً لا نرى عقلك الذي تفكر به ، فإذاً أنت لا عقل لك ، إن قياساً على هذه القاعدة الواهية أن العقل لا يُرى , ولكن نرى آثاره ، وهذا شـيء آخـر فـي الـقوة الإدراكية .
2- العالم الداخلي :
إنك تكوِّن بعض الحقائق من العالم الداخلي ، ذلك لأن النفس تغضب ، وتـخاف ، وترجو ، وتفرح ، وتحزن ، وتقلق ، وتستكبر ، هذه المشاعر يدركها الإنسان عن طريق العالم الداخلي وليـس عـن طريق العالم الخارجي ، إذاً هناك نوافذ داخلية ونوافذ خارجية ، كالبيوت مثلاً فقـد يـكون لـها نـوافـذ تطـل عـلـى ساحة البيت و نوافذ تطل على الشارع ، كذلك الإنسان له نوافذ تطل على العالم الخارجي منها يكوِّن مدركاته ، وله نوافذ تطل على العالم الداخلي ومنها يكوّن أحاسيسه .
3- الخيال :
ما هو الخيال ؟ هو القدرة علـى التصور ، يتصور الإنسان أن له بيتاً يطل على حديقة وعلى جنبيها أشجار سرو , وأشجار مثمرة متنوعة ، وفـي الـحقيقـة لا يـوجد عنده شيء من ذلك ، فما هذا الخيال ؟ فـلو قلنـا لإنسـان : تخيـل أن لك بيتاً ، فإنـه يتخيل مسكناً له سقف ، وجدران ، وأرض ، فهل يسـتطيـع أن يتخيل غـير ذلـك ؟ وكـذلـك لـو قلنـا لـه : تصور حورية نصفها امرأة ونصفها سـمكة ، فـإنـه يسـتطيع تصور ذلـك ، لأنه يعرف المرأة ويعرف السمكة فيتصور ذلك ، فالخيال البشري لا يستطيع أن يتصوَّر شيئاً من لا شيء ، إنما يستطيـع أن يـتصوّر شيئاً من شيء ، من الممكن أن نتخيل شجرة لها أوراق ، وتحمل بدلَ الثمـار كـؤوساً من شراب التفاح مثلاً ، فالكؤوس موجودة وشراب التفاح مـوجود , الـخيـال فـي الـحقيقـة مـرتبط بالواقع ، فأحياناً يتصورون إنسانَ المريخ فلا يزيدون على أن له رأساً ، وجـذعاً ، ويديْن ، ورِجلين ، إلا أنـه قـد يغيـر مـوضع العينين أو يكبر الرأس قليلاً ، أو قد يغير في شكل الأيدي والأرجل ، فهل يستطيـع الإنـسان أن يتصور رجـلَ المـريخ من دون رأس ورجليـن ؟ .
محدودية الخيال ليس دليلاً علمياً على رؤية الغيبيات :
إذا كنت لا تستطيع أن توجد صورة خيالية من لا شيء ، فكيف بإمكان الإنسان أن يتخيل الجنة وهو لم يرها ؟ فالخوض في الغيبيات ليس من العقل ، ففي الحديث القدسي عن الله عز وجل عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ : ((أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ وَلا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ ) "
( أخرجه البخاري عن أبي هريرة في الصحيح )
فـالخيال يـجب ألاّ يجول في العالم الآخر ، وذلك لأن الخيال لا يأتي إلا لشيء من شيء ، أما من الجنة فلا نرى منها شيئاً ، وقد قال العلماء: " نحن نكتفي بعالم الغيب بالخبر الصادق الذي ورد في كتاب الله " , لا أقل من ذلك ولا أكثر ، فإذا كـنت عـاجـزاً عـن تخيـل الجنة فهل تستطيع أن تتخيل ذات الله عز وجل ؟ لذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((تفكروا في المخلوقات ولا تفكروا في الخالق فتهلكوا)) .
4- العقل :
عقلك مـربـوط بـحواسـك وخيـالـك مرتبط بالواقع ولن تستطيع التجاوز ، وهذا الكلام يراد منه أن العقل أو الفكر البشري عندما يعجز عن الوصول إلى شيء فهذا لا يعني أن الشيء غير موجود ، ولكن العقل الذي وهبنا الله إياه له طاقة محدودة ، لحكمة بالغة أرادها الله عز وجل ، مثلاً : ميزان يزن 30 كغ تضع عليه سـيارة ، ينكسر ويتحطم ، فهل نقول : إن هذا الميزان ليس جيداً ؟ لا بل هو ميزان جيد ولكن مخَصَّص للأوزان التـي لا تـتجاوز 30 كغ وليس لسيارة ، مِن هذا المثـل يتضـح لـنا أن الإنسـان عندمـا يكلف عقله فوق طاقته ، ثم يخفق فالخطأ ليس في عقله بل في سوء اسـتخدام العقل ، لأن العقل مربوط بالواقع ، والواقع فيه زمان ومكان ، مثلاً يقال : إن هناك جريمة وقعت ، فنقول مباشرة : متى وأين ؟ فالعقل البشري ليس عنده إمكانية أن يتصور حدثاً إلا ولـه زمـان ومكـان , ولـكـن الخـالـق ليـس كمثلـه شيء ولا يسأل عنه أين هو ؟ لأنه خالق المكان ولا يسـأل عنه : متـى كـان ، لأنه خـالق الـزمان ، فكلمة (متى) و(أين) في حق الله مستحيلة ، لأنه خالق الـزمان والـمكان ، فعدد السـنين هـذه مـن اختصـاصنـا نحن البشر ، أما بالنسبة لله فالزمان صفر ، لا يقيده زمان ولا مكان .
محدودية العقل :
فالكون غير محدود , ولكن العقل لابد من أن يـكون محدوداً فأبعد مجرة توصلوا لها تبعد 18000 مليون ســنة ضوئية , وقد يكـون هنـاك مـجرات أخـرى وبالنهايـة فالكـون غير محـدود , ولكن العقل كيف يستطيع أن يدرك اللامحدود وهو الله عز وجل ؟ لذلك قال :
(سورة البقرة الآية : 255)
يقول الإمام الشافعي : ((إن للعقل حداً ينتهي إليه ، كما أن للبصر حداً ينتهي إليه))، والإمام الغزالي يقول : ((لا تستبعد أيها المتكلف في عالم العقل أن يكون وراء العقل طور قد يظهر فيه مالا يظهر في العقل)) , لـذلك فالـكرامـات مـوجـودة ، ولـكن الـعقل بصددها محدود الزمان والمكان ، فلا يمكن للعقل إدراكه ولكنه موجود ، مثلاً قال الله تعالى في كتابه العزيز:
( سورة النمل الآية : 40)
أنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ ، هـذا عـن عـرش بلقيس فكيف يتصور العقل ذلك ؟ تصور أنك تريد أن تنقله ، فكم تستغرق من الوقت والجهد ومقدار الإمكانيات اللازمة لذلك ؟ فالإنسان العاقل يعقل الحقائق التي ذكرناها سابقاً : " عـدم الـوجدان لا يدل على عدم الوجود" ، إذاً إن الفكـر البشـري محدود بالحواس ، وخيـاله يمده من الواقع والواقع محـدود ، فـأنـَّى لـهذا الفكـر البشـري المـحـدود بالحواس والحـواس يحـدُّهـا الواقـع أن يـدرك الـلامحـدود ، معرفة الله لا تـكون إلا من معرفة آثاره فقط أمَّا معرفة ذاته فمستحيلة ، ومعرفة الذات كما لو وضعت ورقة رقيقة جداً في فرن لصهر الـحديد ، وقلت : ماذا حل بها ؟ فالإنسان عاجز عن معرفة ذات الله , وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ : ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أحـاديثه : ((إذا ذُكر القضاء والقدر فأمسكوا )) , لا تبحثوا ً في ذات الله عـز وجل وبعلمه فهو يعـلم بلا كيف , وهذا اختصار للبحث فـي علـم الله الـذي لا يمكـن أن يدركه عقـل أي إن هنـاك أسئـلة خـطيرة فـي العـقيدة ينبغي أن نقف عندها ونقرأ :
(سورة الإخلاص الآية : 1-4)
فهنـاك مـوضـوعـات مـن اختصـاص الـفكر البشـري ، وهناك موضوعات فوق الفكر البشري يجب عدم الخوض فيها ، وإذا عجز الفكر عن إدراكها فلا ينبغي أن ننكرها ، لأنه كما قلنا : " عـدم الـوجدان لا يدل على عدم الوجود " .
الحمد لله رب العالمين